كتاب: إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام



وأما الصبح: لأنها في وقت لذة النوم فإن كانت في زمن البرد ففي وقت شدته لبعد العهد بالشمس لطول الليل وإن كانت في زمن الحر: فهو وقت البرد والراحة من أثر حر الشمس لبعد العهد بها فلما قوي الصارف عن الفعل ثقلت على المنافقين وأما المؤمن الكامل الإيمان: فهو عالم بزيادة الأجر لزيادة المشقة فتكون هذه الأمور داعية له إلى هذا الفعل كما كانت صارفة للمنافقين ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «ولو يعلمون ما فيهما» أي من الأجر والثواب: «لأتوهما ولو حبوا» وهذا كما قلنا: إن هذه المشقات تكون داعية للمؤمن إلى الفعل.
الثالث: اختلف العلماء في الجماعة في غير الجمعة فقيل: سنة وهو قول الأكثرين وقيل: فرض كفاية وهو قول في مذهب الشافعي ومالك وقيل: فرض على الأعيان.
وقد اختلفوا بعد ذلك فقيل: شرط في صحة الصلاة وهو مروي عن داود وقيل: إنه رواية عن أحمد والمعروف عنه: أنها فرض على الأعيان ولكنها ليست بشرط فمن قال بأنها واجبة على الأعيان: قد يحتج بهذا الحديث فإنه إن قيل بأنها فرض كفاية فقد كان هذا الفرض قائما بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه وإن قيل: إنها سنة فلا يقتل تارك السنن فيتعين أن تكون فرضا على الأعيان.
وقد اختلف في الجواب على هذا على وجوه فقيل: إن هذا في المنافقين ويشهد له ما جاء.
في الحديث الصحيح: «لو يعلم أحدهم أن يجد عظما سمينا أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء» وهذه ليست صفة المؤمنين لاسيما أكابرهم وهم الصحابة فلا يتم الدليل.
قال القاضي عياش رحمه الله: وقد قيل: إن هذا في المؤمنين وأما المنافقون: فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم معرضا عنهم عالما بطوياتهم كما أنه لم يعترضهم في التخلف ولا عاتبهم معاتبة كعب وأصحابه من المؤمنين.
وأقول: هذا إنما يلزم إذا كان ترك معاقبة المنافقين واجبا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فحينئذ يمتنع أن يعاقبهم بهذا التحريق فيجب أن يكون الكلام في المؤمنين ولنا أن نقول: إن ترك عقاب المنافقين وعقابهم كان مباحا للنبي صلى الله عليه وسلم مخبرا فيه فعلى هذا: لا يتعين أن يحمل هذا الكلام على المؤمنين إذ يجوز أن يكون في المنافقين لجواز معاقبة النبي صلى الله عليه وسلم لهم وليس في إعراضه عنهم بمجرده ما يدل على وجوب ذلك عليه ولعل قوله صلى الله عليه وسلم- عندما طلب منه قتل بعضهم-: «لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه» يشعر بما ذكرناه في التخيير لأنه لو كان يجب عليه ترك قتلهم لكان الجواب بذكر المانع الشرعي وهو أنه لا يحل قتلهم ومما يشهد لمن قال: «إن ذلك في المنافقين» عندي: سياق الحديث من أوله وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «أثقل الصلاة على المنافقين».
ووجه آخر في تقدير كونه في المنافقين: أن يقول القائل: هم النبي صلى الله عليه وسلم بالتحريق يدل على جوازه وتركه التحريق يدل على جواز هذا الترك فإذا اجتمع جواز التحريق وجواز الترك في حق هؤلاء القوم وهذا المجموع لا يكون في المؤمنين فيما هو حق الله تعالى.
ومما أجيب به عن حجة أصحاب الوجوب على الأعيان: ما قاله القاضي عياض رحمه الله والحديث حجة على داود لا له لأن النبي صلى الله عليه وسلم هم ولم يفعل ولأنه يخبرهم أن من تخلف عن الجماعة فصلاته غير مجزئة وهو موضع البيان.
وأقول: أما الأول: فضعيف جدا إن سلم القاضي أن الحديث في المؤمنين لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يهم إلا بم يجوز له فعله لو فعله.
وأما الثاني- وهو قوله ولأنه لم يخبرهم أن من تخلف عن الجماعة فصلاته غير مجزئة وهو موضع البيان- فلقائل أن يقول: البيان قد يكون بالتنصيص وقد يكون بالدلالة ولما قال صلى الله عليه وسلم: «لقد هممت» إلى آخره, دل على وجوب الحضور عليهم في الجماعة فإذا دل الدليل على أن ما وجب في العبادة كان شرطا فيها غالبا كان ذكره صلى الله عليه وسلم لهذا الهم دليلا على لازمه وهو وجوب الحضور وهو دليل على الشرطية فيكون ذكر هذا الهم دليلا على لازمه وهو وجوب الحضور.
ووجوب الحضور دليلا على لازمه وهو اشتراط الحضور فذكر هذا الهم بيان للاشتراط لهذه الوسيلة ولا يشترط في البيان أن يكون نصا كما قلنا إلا أن لا يتم هذا إلا ببيان أن ما وجب في العبادة كان شرطا فيها وقد قيل: إنه الغالب ولما كان الوجوب قد ينفك عن الشرطية قال أحمد- في أظهر قوليه- إن الجماعة واجبة على الأعيان غير شرط.
ومما أجيب به عن استدلال الموجبين لصلاة الجماعة على الأعيان: أنه اختلف في هذه الصلاة التي هم النبي صلى الله عليه وسلم بالمعاقبة عليها فقيل: العشاء وقيل: الجمعة وقد وردت المعاقبة على كل واحدة منهما مفسرة في الحديث وفي بعض الروايات: «العشاء» أو «الفجر» فإذا كانت هي الجمعة- والجماعة شرط فيها- لم يتم الدليل على وجوب الجماعة مطلقا في غير الجمعة وهذا يحتاج أن ينظر في تلك الأحاديث التي بينت فيها تلك الصلاة: أهي الجمعة أو العشاء أو الفجر؟ فإن كانت أحاديث مختلفة قيل بكل واحد منها وإن كان حديثا واحدا اختلف فيه الطرق فقد يتم هذا الجواب إن عدم الترجيح بين بعض تلك الروايات وبعض وعدم إمكان أن يكون الجميع مذكورا فترك بعض الرواة بعضه ظاهرا بأن يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم أراد إحدى الصلاتين أعني الجمعة أو العشاء- مثلا- فعلى تقدير أن تكون هي الجمعة: لا يتم الدليل وعلى تقدير أن تكون هي العشاء: يتم وإذا تردد الحال وقف الاستدلال.
ومما ينبه عليه هنا: أن هذا الوعيد بالتحريق إذا ورد في صلاة معينة- وهي العشاء أو الجمعة أو الفجر- فإنما يدل على وجوب الجماعة في هذه الصلوات فمقتضى مذهب الظاهرية: أن لا يدل على وجوبها في غير هذه الصلوات عملا بالظاهر وترك اتباع المعنى اللهم إلا أن يؤخذ قوله صلى الله عليه وسلم: «أن آمر بالصلاة فتقام» على عموم الصلاة فحينئذ يحتاج في ذلك إلى اعتبار لفظ ذلك الحديث وسياقه وما يدل عليه فيحمل لفظ «الصلاة» عليه إن أريد التحقيق وطلب الحق والله أعلم.
الرابع: قوله عليه السلام: «ولقد هممت...» الخ أخذ منه تقديم الوعيد والتهديد على العقوبة وسره: أن المفسدة إذا ارتفعت بالأهون من الزواجر اكتفي به من الأعلى.
4- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها» قال: فقال بلال بن عبد الله: والله لنمنعهن قال: فأقبل عليه عبد الله فسبه سبا سيئا ما سمعته سبه مثله قط وقال: أخبرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: «والله لنمنعهن؟» وفي لفظ: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله».
الحديث صريح في النهي عن المنع للنساء عن المساجد عند الاستئذان.
وقوله في الرواية الأخرى: «لا تمنعوا إماء الله» يشعر أيضا بطلبهن للخروج فإن المانع إنما يكون بعد وجود المقتضى ويلزم من النهى عن منعهن من الخروج إباحته لهن لأنه لو كان ممتنعا لم ينه الرجال عن منعهن منه والحديث عام في النساء ولكن الفقهاء قد خصوه بشروط وحالات منها: أن لا يتطيبن وهذا الشرط مذكور في الحديث ففي بعض الروايات: «وليخرجن تفلات» وفي بعضها: «إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيبا» وفي بعضها: «إذا شهدت إحداكن العشاء فلا تطيب تلك الليلة» فيلحق بالطيب ما في معناه فإن الطيب إنما منع منه لما فيه من تحريك داعية الرجال وشهوتهم وربما يكون سببا لتحريك شهوة المرأة أيضا فما أوجب هذا المعنى التحق به وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أيما امرأة أصابت بخورا فلا تشهد معنا العشاء الآخرة» ويلحق به أيضا: حسن الملابس ولبس الحلى الذي يظهر أثره في الزينة وحمل بعضهم قول عائشة رضي الله عنها في الصحيح: (لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ما أحدث النساء بعدن: لمنعهن المساجد كما منعت نساء بني إسرائيل) على هذا تعني إحداث حسن الملابس والطيب والزينة.
ومما خص به بعضهم هذا الحديث: أن منع الخروج إلى المسجد للمرأة الجميلة المشهورة ومما ذكره بعضهم مما يقتضي التخصيص: أن يكون بالليل وقد ورد في كتاب مسلم ما يشعر بهذا المعنى ففي بعض طرقه: «لا تمنعوا النساء من الخروج إلى المساجد بالليل» فالتقييد بالليل قد يشعر بما قال.
ومما قيل أيضا في تخصيص هذا الحديث: أن لا يمزاحن الرجال.
وبالجملة: فمدار هذا كله النظر إلى المعنى فما اقتضاه المعنى من المنع جعل خارجا عن الحديث وخص العموم به وفي هذا زيادة وهو أن النص وقع عل بعض ما اقتضاه التخصيص وهو عدم الطيب.
وقيل: إن في الحديث دليلا على أن للرجل أن يمنع امرأته من الخروج إلا بإذنه وهذا إن أخذ من تخصيص النهي بالخروج إلى المساجد وأن ذلك يقتضي بطريق المفهوم جواز المنع في غير المساجد فقد يعترض عليه: بأن هذا تخصيص الحكم باللقب ومفهوم اللقب ضعيف عند أهل الأصول.
ويمكن أن يقال في هذا: إن منع الرجال للنساء من الخروج مشهور معتاد وقد قرروا عليه وإنما علق الحكم بالمساجد لبيان محل الجواز وإخراجه عن المنع المستمر المعلوم فيبقى ما عداه على المنع وعلى هذا: فلا يكون منع الرجل لخروج امرأته لغير المسجد مأخوذا من تقييد الحكم بالمسجد فقط.
ويمكن أن يقال فيه وجه آخر: وهو أن في قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله» مناسبة تقتضي الإباحة أعني كونهن إماء الله بالنسبة إلى خروجهن إلى مساجد الله ولهذا كان التعبير بإماء الله أوقع في النفس من التعبير بالنساء لو قيل وإذا كان مناسبا أمكن أن يكون علة للجواز وإذا انتفى انتفى الحكم لأن الحكم يزول بزوال علته والمراد بالانتفاء ههنا: انتفاء الخروج إلى المساجد أي للصلاة.
وأخذ من إنكار عبد الله بن عمر علي ولده وسبه إياه: تأديب المعترض على السنن برأيه العامل بهواه وتأديب الرجل ولده وإن كان كبيرا في تغيير المنكر وتأديب العالم من يتعلم عنده إذا تكلم بما لا ينبغي.
وقوله: (فقال بلال بن عبد الله) هذه رواية ابن شهاب عن سالم بن عبد الله وفي رواية ورقاء بن عمر عن مجاهد عن ابن عمر: (فقال ابن له يقال له: واقد) ولعبد الله بن عمر أبناء منهم بلال ومنهم واقد.
5- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد الجمعة وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء).
وفي لفظ: (فأما المغرب والعشاء والجمعة: ففي بيته).
وفي لفظ: أن ابن عمر قال: حدثني حفصة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي سجدتين خفيفتين بعدما يطلع الفجر وكانت ساعة لا أدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فيها.
هذا الحديث يتعلق بالسنن الرواتب التي قبل الفرائض وبعدها ويدل على هذا العدد منها وفي تقديم السنن على الفرائض وتأخيرها عنها: معنى لطيف مناسب أما في التقديم: فلأن الإنسان يشتغل بأمور الدنيا وأسبابها فتتكيف النفس من ذلك بحالة بعيدة عن حضور القلب في العبادة والخشوع فيها الذي هو روحها.
فإذا قدمت السنن على الفريضة تأنست النفس بالعبادة وتكيفت بحالة تقرب من الخشوع فيدخل في الفرائض على حالة حسنة لم تكن تحصل له لو لم تقدم السنة فإن النفس مجبولة على التكيف بما هي فيه لاسيما إذا كثر أو طال وورود الحالة المنافية لما قبلها قد يمحو أثر الحالة السابقة أو يضعفه.
وأما السنن المتأخرة: فلما ورد أن النوافل جابرة لنقصان الفرائض فإذا وقع الفرض ناسب أن يكون بعده ما يجبر خللا فيه إن وقع.
وقد اختلفت الأحاديث في أعداد ركعات الرواتب فعلا وقولا واختلفت مذاهب الفقهاء في الاختيار لتلك الأعداد والرواتب والمروي عن مالك: أنه لا توقيت في ذلك قال ابن القاسم صاحبه: وإنما يوقت في هذا أهل العراق.
والحق- والله أعلم- في هذا الباب- أعني ما ورد في أحاديث بالنسبة إلى التطوعات والنوافل المرسلة- أن كل حديث صحيح دل على استحباب عدد من هذه الأعداد أو هيئة من الهيئات أو نافلة من النوافل: يعمل به في استحبابه ثم تختلف مراتب ذلك المستحب فما كان الدليل دالا على تأكده- إما بملازمته فعلا أو بكثرة فعله وإما بقوة دلالة اللفظ على تأكد حكمه وإما بمعاضدة حديث آخر له أو أحاديث فيه- تعلو مرتبته في الاستحباب وما يقصر عن ذلك كان بعده في المرتبة وما ورد فيه حديث لا ينتهي إلى الصحة فإن كان حسنا عمل به عن لم يعارضه صحيح أقوى منه وكانت مرتبته ناقصة عن هذه المرتبة الثانية أعني الصحيح الذي لم يدم عليه أو لم يؤكد اللفظ في طلبه وما كان ضعيفا لا يدخل في حيز الموضوع فإن أحدث شعارا في الدين: منع منه وإن لم يحدث فهو محل نظر يحتمل أن يقال: إنه مستحب لدخلوه تحت العمومات المقتضية لفعل الخير واستحباب الصلاة ويحتمل أن يقال: إن هذه الخصوصيات بالوقت أو بالحال والهيئة والفعل المخصوص: يحتاج إلى دليل خاص يقتضي استحبابه بخصوصه وهذا أقرب والله أعلم وهاهنا تنبيهات.